Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

ذكريات من الماضي


 

يناير 2004

 مرشد الشيزاوي

 

فهرس

·    المحتويات :

     1.       الكمالي ...الشيخ الذي فقدناه .......................... على تني العجمي

     2.       نموذج للدعوة لن ننساه ................................. على تني العجمي

     3.       على المحز / الأدب الكمالي............................. د.جاسم فهيد

     4.         خواطر قلم / الكمالي ... ابن القوات الروحية.......... د.محمد العوضي

     5.       شيخ الجهراء وفقيدها الشيخ عبدالرحمن الكمالي... د.عبدالرؤوف الكمالي

     6.        ورحلت شمعة الجهراء.......................... عبدالرحمن محمد الكمالي

     7.       في رثاء الشيخ احمد عبدالرحمن الكمالي.......... الشيخ أحمد غنام الرشيد

     8.       تسمية مسجد الجهراء باسم الشيخ عبدالرحمن........ د.محمد البصيري

     9.       العالم الجليل الذي ودعناه................................. احمد الزاهد

     10.       دفن يوم الجمعة غرة ذي الحجة..................... مشعل عثمان السعيد

  11.      دعاء

  12.     خطبة الجمعة......................................... الشيخ فوزي

  13.      في رثاء الشيخ عبدالرحمن أحمد الكمالي.......... محمد احمد الكمالي

  14.      الشيخ الغالي عبدالرحمن الكمالي.......... فارس عبدالرحمن الفارس

عوده للفهرس

       الكمالي ...الشيخ الذي فقدناه  ( على تني العجمي )

      قبل أشهر قليلة فقدنا الشيخ محمد الكمالي الذي وافته المنية بالإمارات، وفي فجر الجمعة أتانا الخبر كالصاعقة بفقد أخيه الشيخ عبدالرحمن الكمالي رحمه الله الذي ما زالت كلمات مواعظه ترن في آذاننا يوم كان يجوب المساجد مبلغا وواعظا ومذكرا، ولكنه الموت الذي لا مفر منه، انه قضاء رب العالمين الذي لا نملك إلا الرضى به والرضوخ له.
كان الشيخ من أوائل الأئمة الذين عملوا في الأوقاف منذ العام 1952 ومنذ أكثر من نصف قرن وهو يؤم ويخطب ويعظ بلا كلل ولا ملل وعرفه أهل الجهراء منذ ذلك الحين كيف لا ومسجده كان أول مسجد فيها؟
     وإذا كانت قلوبنا تتألم فعلا لفقد هذا الوالد العزيز فإن عزاءنا في ذريته المباركة وفي مآثره الطيبة التي تركها والتي أورثته حب الناس والدليل هذا الحشد الهائل الذين شيعوه رغم انه دفن ـ رحمه الله ـ بعد ساعات قليلة جدا من وفاته.
    ونتقدم بهذه المناسبة بخالص العزاء لآل الكمالي الكرام ونسأل الله الفردوس الأعلى لوالدنا الشيخ العزيز، وان القلب ليحزن وان العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا لفراقك يا أبا احمد ـ الوالد العزيز ـ لمحزونون، ولله الأمر من قبل ومن بعد

       كان سلفنا الصالح رحمهم الله عندما يناظرون أهل الباطل يحتجون عليهم بالعبارة المشهورة (موعدنا يوم الجنائز) وقد تذكرت هذه العبارة يوم تشييع جنازة الشيخ عبدالرحمن بن احمد الكمالي يوم الجمعة الماضية رغم أن كثيرين لم يبلغهم الخبر إلا بعد تشييعه,, ولم أتلق من قبل عدد ا من (المسجات) كتلك التي وصلتني إيذانا بوفاته يرحمه الله مما يدل على مكانته في قلوب الناس فنسأل الله له الرحمة والمغفرة والرضوان.
آخر الكلام
 

عوده للفهرس

نموذج للدعوة بالحكمة ،،، لن ننساه  ( على تني العجمي )

        كثيرون هم الذين يغادرون عالمنا الفاني إلى الدار الآخرة ولكن قليل هم الذين يتركون مآثر تخلدهم وتحيي ذكرهم وتؤثر في الناس من بعدهم، ونحسب من هؤلاء الشيخ عبدالرحمن بن احمد الكمالي رحمه الله, ربما يستغرب القارئ من طرحي لهذا الموضوع بعد مرور عام كامل على وفاة الشيخ، ولكن هل نستكثر على أهل العلم والفضل مقالة نستذكرهم فيها في ذكرى وفاتهم خصوصا إن أناسا في ميادين أخرى اقل أهمية نجد أن انهار الصحف ومداد الأقلام قد سال بمدحهم وهم دون ذلك بكثير؟ وهل نستكثر على علمائنا المربين كلمات قليلة في مقالات معدودة وهم الذين قضوا أكثر من نصف قرن يدعون إلى الله بلا كلل أو ملل ما بين خطابة وإمامة وموعظة وعقد قران وإصلاح ذات بين وشفاعة حسنة وغير ذلك من المآثر الكثيرة؟
اذكر ان الشيخ الجليل قد توفاه الله فجر يوم الجمعة الأول من ذي الحجة العام الماضي، ولكن كانت المفاجأة في ذلك الحضور المشهود في جنازته التي صلي عليها في مسجده بعد صلاة الجمعة رغم قصر الفترة التي أعقبت وفاته إلى دفنه بل إن مسجده رحمه الله قد غص بالمصلين ولم يعد هناك مكان للقادمين وذلك قبل صعود الخطيب المنبر مع أن ذلك اليوم كان يوم جمعة والناس في إجازة وكثير منهم في البر والوقت وقت حج إلا أن مكانة الشيخ قد تجاوزت تلك الظروف وشاهدنا من الحشود ما يثلج الصدر ويدل على تلك المكانة الراسخة.
واذكر وقتها أن ظروف دفن الشيخ قد تزامنت مع موعد تسليم المقالة وكنا للتو قد نفضنا أيدينا من التراب وتدافعت الخواطر وتزاحمت الأفكار ولكن أنى لمثلي في ذلك الظرف الصعب والبضاعة المزجاة ان يدبج مقالة كاملة عن هذا الحدث فاكتفيت بأسطر قليلة أسابق فيها غيري من محبيه في رثائه ولكنها لم تشف الغليل أو تهدئ العليل.
واذكر أنني عندما زرته في المستشفى قد رأيت رجلا متماسكا لم يفت المرض في عضده أو يؤثر في عزيمته بل كان على العكس من ذلك كان يبدو متماسكا مؤمنا بقضاء الله وقدره رغم شدة المرض ووطأة الألم وكبر السن.
ولا اكتم سرا عن القارئ إذا قلت له إنني لم استأذن أحدا من عائلته الكريمة أو ورثته الأخيار في الكتابة عنه مرة أخرى بعد مرور عام كامل على وفاته لاعتقادي بأن الشيخ ليس ملكا لأحد بعينه بل انه ملك لمحبيه وهم كثيرون.
نستذكر الشيخ وأمثاله في مثل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها امتنا لأننا نحتاج إلى الحكماء الذين يدعون إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة، واجزم أن الشيخ رحمه الله لو كان بيننا ورأى ما نراه الآن لكان من اشد المتألمين لما يحدث لعلمه الأكيد ويقينه السديد بأن مثل هذه التصرفات الإجرامية ليست من الدعوة في شيء ولا يقرها منطق أو عقل، فضلا عن ان يقرها مسلم وإنما تصب في النهاية في الاتجاه المعاكس للمنطق الأسمى للدعوة وتهوي بمرتكبيها وبغيرهم وبالأمن إلى بهوة سحيقة لا يعلم مداها إلا الله, كيف لا؟ وهو الذي قد تألم قلبه كثيرا إبان الغزو العراقي للكويت، وأبى الخروج منها وبقي صامدا حتى التحرير رغم الالحاحات الكثيرة والدعوات التي كانت تأتيه من وجهاء ونافذين في بعض دول الخليج للإقامة هناك خلال بعض الفترات لكنه رحمه الله أبى إلا التعلق بالكويت والإقامة فيها حتى الوفاة لأنه كان يعتبر نفسه كويتيا وكان دائما يوصي أبناءه بحب هذا البلد والإخلاص له لما كان يراه من خيرية أهلها وحكامها، ولذلك كان محط ثقة الجهراء التي عرفته منذ أكثر من نصف قرن منذ أن كانت الجهراء قرية في بداياتها حتى أصبحت الآن من اكبر محافظات الكويت سكانا ومساحة.
وبالمناسبة حسنا فعلت وزارة الأوقاف بإطلاقها اسم الشيخ على مسجد الجهراء القديم الذي اعتاد فيه الإمامة والخطابة طوال نصف قرن من الزمان تكريما له واعترافا بدور هذا الرجل وتخليدا لدوره الايجابي في توجيه الناس ووعظهم.
وفي الختام نسأل الله عز وجل أن يجزي هذا الشيخ خير الجزاء وان يجعل جهوده التي قام بها في موازين أعماله، وان يلهمنا الحكمة والصواب في القول والفعل، وان يجنب بلادنا شرور العابثين ويجعلها كما هي دائما دار أمن وإيمان, آمين.

عوده للفهرس

على المحز / الأدب الكمالي  ( د.جاسم فهيد )

    حينما تمر الشخوص الإنسانية الغائبة بالذاكرة فإنها تتمثل في مظهرها الروحاني لا شكلها الجثماني، وحينما يُغيب الموت الحضور الجسدي للذات البشرية فإن الذاكرة الواعية تنجح في بعث الحضور الروحي للمغيب، وهو حضور ترسم ملامحه السجايا والطبائع المميزة للفقيد حسنة كانت أو قبيحة، فإن أخفقت الذاكرة واستحضرت عوضا من ذلك الصورة الطينية الظاهرة فإن مرد إخفاقها إلى احد أمرين: قصر نظرها حين وقفت عند حدود المرئي المحس وعجزت عن التغلغل إلى ما وراء ذلك من صفات جوهرية مستبطنة، أو إلى طبيعة الغائب الذي لا يعدو أن يكون نكرة مجهولا يقتصر وجوده حيا على حضوره البدني وأما الروح فمغيبة عن المسرحين معا: الحياة والموت!
    بالأمس طوى الموت فيمن طوى نموذجا روحيا راقيا، فقد ودعنا الشيخ عبدالرحمن بن احمد الكمالي إمام وخطيب جامع الجهراء القديم الذي قضى زهرة حياته على هذه الأرض منذ خمسينيات القرن الماضي، وقاسم أهلها أفراحهم واتراحهم بالسوية فقد كان مأذونا شرعيا يتولى عقد الانكحة، كما كنت تراه قائما على شفير القبر يوصي أهل المقبور بالدعاء له بالثبات والمغفرة ويواسيهم في مصابهم لكنه يوم الجمعة الماضي حل بطن اللحد موسدا ومودّعا, ولن أتعرض هنا لسرد سيرة الفقيد التاريخية فقد كفيتها بلا ريب، إذا ما يعنيني هو ذلك الحضور الروحاني للفقيد، وان سألتني أن أوجزه في كلمتين اثنتين لقلت لك (الأدب الرفيع) لقد كان الشيخ الكمالي مثالا نادرا للخلق الحسن، لم يؤثر عنه في فترة إقامته الطويلة إن آذى أحدا بكلمة أو رد إساءة بمثلها، فقد كان عف اللسان، طلق المحيا، دمثا متواضعا، محبوبا محمودا، وكان كما قلت في بعض المراثي:
أخلاقه تسع الجميع سماحة
كنسيم فجر إذ يهب عليلا
وله التواضع والدماثة آية
كانت إلى رقّ القلوب سبيلا
هذا مع ما كان يلقاه من طبائع الناس المتباينة كالغلظة الأعرابية والغثاثة السوقية، محتملا ذلك كله بصدر رحب منشرح ومن شهد خطبة من خطب الفقيد علم مدى حرصه على التأنق في اختيار ألفاظها وتنميق عباراتها وتسجيع فقراتها، وكذلك كان حاله عند مخاطبة الناس وغشيان مجالسهم إذ كان ملتزما أصول اللباقة وقواعد اللياقة في الخطاب والمحادثة, ولم يكن رحمه الله يخلو من روح مرحة ودعابة لطيفة واذكر أني لقيته قبيل وفاته بأشهر قلائل في صحن الجامع وقد لاحت على صفحة وجهه آثار المرض والإعياء فقلت له ممازحا (لقد شخت أبا احمد!) فوثب وثبة خفيفة في الهواء أشفقت عليه منها مؤثرا بذلك أن يرد تهمة الشيخوخة بلسان الحال مثبتا انه ما زال شابا يافعا، وقد كانت روحه بحق كذلك!
  ويبقى الوجه الباسم المتهلل عنوانا لا تخطئه عين الناظر إلى الفقيد، يعبر بصدق عن طيب شمائله وأخلاقه التي تبرز مفهوم التدين السليم في التعامل مع الناس، فكثيرون يعتقدون واهمين إن العبوس المتزمت وتقطيب الجبين والوجه الصارم هي عنوان الشخصية المتدينة، وفاتهم إن الإسلام قد عدّ طلاقة الوجه والتبسم المتزن من ضروب الصدقة، فبهما تعم روح التآخي وتسود الألفة ويأنس الناس بعضهم إلى بعض، وإذا كان المسلمون عموما مطالبين بتمثل هذا الخلق الكريم فإن المشتغلين بالدعوة إلى الله خصوصا اشد حاجة إلى التزام ذلك ليتمكنوا من كسب الناس واجتذاب قلوبهم وقد جاء في بعض الآثار (إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق), رحم الله أبا احمد وأباحه بحبوحة جنته.

 

عوده للفهرس

خواطر قلم / الكمالي ... ابن القوات الروحية ( د.محمد العوضي )

محمد العوضي: بينما كانت سيارتي تنطلق في اتجاه الحدود السعودية الكويتية (النويصيب) كان أهل الجهراء يحملون على أكتافهم رجلا أحب الناس وأحبه الناس، ودع الحياة في ليلةٍ قضاها في الذكر والتسبيح والتهليل وأدى صلواته وهو مضطجع على فراش المرض، انه ممن يصدق فيهم قول الأديب مصطفى صادق الرافعي «نراهم في عالم التراب كأن مادتهم من السُحُبْ، فيها لغيرهم الظلُ والماءُ والنسيمْ، وفيها لأنفسهم الطهارةُ، والعلو والجمال، يثبتون للضعفاء أن غير الممكن ممكن بالفعل، إذ لا يرى الناس في تركيب طباعهم إلا الإخلاص وان كان حرمانا، وإلا المروءة وان كانت مشقة، وإلا المحبة الإنسانية وان كانت ألماً، وإلا الجدّ وان كان عناءً، وإلا القناعة وان كانت فقراً»,,, انه الشيخ عبدالرحمن بن أحمد الكمالي، الذي قضى قرابة نصف قرن في مسجد الجهراء القديم خطيباً وإماماً, ولقد كتب الزميلان علي تني العجمي والدكتور جاسم فهيد الدوسري، عن مكانة الشيخ الراحل وشمائله في مقالين نشرتهما «الرأي العام» وهما من سكان الجهراء.
وسألت الصحف والزملاء، هل كتب الشيخ محمد بن ناصر العجمي شيئا عن الكمالي شيخ القلوب؟ قالوا: لم نقرأ له شيئا، وهاتفته بالأمس معاتبا، لقد توفي الشيخ الكمالي ودفن الجمعة الماضية، فأين الوفاء، وأنت الذي يكثر من ذكر محاسن الراحل وكرمه وأفضاله؟ فقال: والله لقد عزمت عزماً أكيداً وأنا أمام قبره أنني سأكتب عن هذا النموذج الفريد الذي ندعو الدعاة الى الاستفادة من حكمته في الدعوة والإصلاح الاجتماعي, ولكني يا أخي لا أُخفيك، لقد كنت آخر من ودع قبره وكان بجواري الشيخ حمد الأمير وابن أخيه الشيخ أحمد الكمالي شقيق الدكتور عبدالرؤوف الكمالي، ولما خرجت من المقبرة لم استطع أن امسك القلم من شدة الحزن على الشيخ وتزاحم الذكريات وكيف ومن أين أبدأ الكتابة عن بحر لا ساحل له من الصفات الحميدة، لقد كان يقطرُ أدباً وتواضعاً، يطوف على مساجد الكويت كلها ناصحاً ومرشداً بالرفق والحكمة,,, قلت لصاحبي: قبل قرابة عشرين عاما دُعيت لإلقاء درسٍ في مسجد الجهراء، بعد صلاة المغرب، ولما انتهت الصلاة قام الشيخ عبدالرحمن الكمالي وألقى موعظة قصيرة، ثم رتبوا لي الطاولة لأُلقي درساً، ولكني قلت: ليس بعد كلمة شيخنا الكمالي كلام، وخير الكلام ما قل ودل، وما كان للتلاميذ أن يتكلموا بعد الأساتذة،,,, فكان الشيخ الكمالي - رحمه الله - ما أن يراني في مناسبة إلا ويذكرني بهذا الموقف الذي كان له وقع حسن وجميل على نفسه، إنني أرى بعض أئمة المساجد والخطباء يضربون بينهم وبين الناس حواجز نفسية لأسباب كثيرة وأتساءل: كيف يكون هذا الإمام أو الخطيب مصلحا أو ذا أثر ايجابي على الناس وقد نفرت منه قلوبهم؟! إن في سيرة وتجربة الشيخ عبدالرحمن الكمالي كنوزاً ودرراً من الأدب والدعوة وفن التأثير في الناس,,, لأنه عاش للدعوة وزهد في ما عند الناس وكأن الأديب مصطفى الرافعي يقصده عندما قال: «هذا هو العالم الديني، لابد أن يكون ابن القوات الروحية، لا ابن الكتب وحدها، ولابد أن يخرج بعمله إلى الدنيا، لا أن يدخل الدنيا تحت سقف الجامع,,,», فعليه رحمة الله.

 

عوده للفهرس

       شيخ الجهراء وفقيدها الشيخ عبدالرحمن الكمالي  ( د.عبدالرؤوف الكمالي )

    قال الله عز وجل: ( كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون ) قد تكون شهادة الشخص في قرابته مجروحة ، وقد يكون كلامه في المديح لهم غير مستحسن ، ولكن الشأن في العم الفاضل يختلف ، ذلك لأن هذه الشهادة مقرونة بأضعاف أضعافها من الشهادات ، بل لست أبالغ إن قلت : هي كالأمر المجمع عليه عند كل من عرفه أو سمع به فلله الحمد والمنة أولا وآخرا ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .

     وقد رأيت إن كتابتي عن عمي الفاضل الشيخ عبدالرحمن احمد محمد الكمالي رحمه الله هي دين علي ووفاء لا انفكاك عنه ولا محيص ، وذلك لما تعلمناه منه في هذه الحياة الفانية من دروس وآداب عظيمة ، ولما لمسناه فيه من قلب حنون وروح أبوية صادقة عز أن يوجد ذلك عند غيره .

     وما جلست في مكان أو كلمني عنه أحد إلا وأبدى محبته الجمة الصادقة له ، في الجهراء وغير الجهراء ، الأغنياء والفقراء ، الصغار والكبار ، فأتذكر بذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال : إني أحب فلانا فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي في السماء فيقول : إن الله تعالى يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض .

    لم أره يتكلم على أحد بسوء ولا يغتابه ، ولا يحقد عليه ، بل لا تعرف هذه الأمور إلى قلبه سبيلا ، فيما احسبه والله حسيبه ، ولا ازكي على الله أحدا ، فيا لها من خصلة عظيمة  ومنقبة كريمة ، كانت سببا لدخول الجنة ، كما شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل بالجنة بسبب ذلك ، ولا غرو فإن الأصل هو القلب إن صلح صلح الجسد كله ، وان فسد فسد الجسد كله ، كما اخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم .

     ثم إن سألت – أخي الكريم – عن السخاء والكرم ، فحدث ولا حرج ، وبيته المفتوح دوما للجميع ينبئك عن ذلك ، منذ أن وطئت رجله ثرى الكويت الحبيبة إلينا والى قلبه والى أن دفن في ثراها رحمه الله يفد إلى بيته القادمون من بلاد أخرى من أقرباء ومعارف وأصحاب ، ويجتمع فيه الأهل والأقرباء القاطنون في الكويت ، فكان رحمه الله سببا – وأي سبب – لاجتماع الأحبة والأرحام وكفى به عملا صالحا جليلا .

     وغاية الكرم كرم النفس ، وكم كان رحمه الله متحليا به ، فما وجدته يرد الحق إن ظهر له في مسألة ، وكان يأخذ بالحديث الصحيح ويترك الضعيف متى تبين له ، دونما تردد أو مجادلة أو مكابرة وأما إحالته الفتوى على غيره وعدم تجرئه عليه فكثير وهذا من تقواه وتواضعه رحمه الله فيا ليت طلبة العلم يتحلون بهذا الأدب الشرعي النبيل .

     ومن كرم النفس عنده – رحمه الله – انه لم يكن يظهر الشكوى أو الأنين في مرضه الخير ، مع انه كان في غاية الألم والوجع ، بل كان رحمه الله يسألني حتى قبل موته بأسبوع عن حال الأهل والأولاد ، وعن إحضاري لهم إلى بيته ، كما كان شأنه دائما في ذلك.

    وان سألت عن تواضعه ، فترى منه ما يسرك ، يسلم على الصغير والكبير ويوقر الغني والفقير ، وربما أصر أحيانا على صب القهوة لنا مستشهدا بفعل بعض مشايخه لذلك ، ومن تواضعه – رحمه الله – انه لا يطيل ثوبه لينزل عن الكعبين ، بل هو ارفع منه بمقدار يظهر لك فيه حبه لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وهذا من التواضع المستفاد من مفهوم وصية النبي صلى الله عليه وسلم لرجل بقوله فيما أوصى له : " واياك وإسبال الإزار ، فان الإسبال من المخيلة " رحمك الله يا عمي ، فقد كان مظهرك ومنظرك يدل على باطنك ومخبرك .

     تعلم العم الفاضل العلم الشرعي على أيدي عدد من المشايخ الأجلاء ومن أعظم من استفاد منه وتعلق به : الشيخ عبدالرحمن بن احمد بن يحيى الكمالي ، وقد ألف العم الكريم مؤلفات عدة نافعة ومفيدة وقد انتشرت بحمد الله تعالى في العالم الإسلامي وذلك لسهولتها وفائدتها ومنها : " ديوان الخطب العصرية المنبرية في الوعظ وإرشاد البرية " و " الجواهر المرصعة في الخطب المنوعة " و " المواعظ السنية لأيام شهر رمضان البهية " وقد طبع طبعة حديثة ومنقحة قبل وفاته بنحو ثلاثة اشهر ، وسر به سرورا عظيما والحمد لله ، ومن أواخر مؤلفاته التي طبعت حديثا للمرة الأولى " ديوان بغية الخطباء والواعظين ومنار الهدى للمتعظين " .

     قدم – رحمه الله – الكويت في 15/9/1953 وكان عمره نحو 20 عاما وتوظف فيها إماما وخطيبا بجامع الجهراء القديم – الذي هو أول مسجد في الجهراء – بتاريخ 1/2/1953 وظل فيه إلى أن توفي أي أكمل فيه خمسين عاما ، وكان يكتب للناس أوقافهم الشرعية ويعقد لهم الزواج ، ويرقي مرضاهم ويصلي على جنائزهم ، ويصلهم في مجالسهم

     توفي العم الفاضل – رحمه الله – فجر الجمعة غرة ذي الحجة 1424 هـ الموافق 23/1/2004 بعد رحلة مع مرض " التكسر في الدم " الذي لازمه لأربع سنوات وقد وصل المرض ذروته وأتعبه كثيرا قبل موته بنحو ثلاثة اشهر وكل ذلك كان من علامات حسن الخاتمة إن شاء الله .

كان ملء العين خلقا عاليا      ومروءات وفضـلا ووفـا

جمع الأخلاق والعلـم معا      فهما في برديتـه ائتلفـا

     رحم الله فقيدنا الغالي رحمة واسعة ، واسكنه فسيح جناته في الفردوس الأعلى مع الذين انعم الله عليهم  من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

 

عوده للفهرس

ورحلت شمعة الجهراء   ( عبدالرحمن محمد الكمالي )

    في صبيحة يوم الجمعة غرة ذي الحجة الفضيل الموافق الثالث والعشرين من يناير لعام ألفان و أربع للميلاد فارقنا عمنا الجليل الشيخ النبيل المتواضع صاحب الخطب العصرية المنبرية وصاحب الكلمة المدوية التي تدخل القلوب لأول وهلة .

     ملك القلوب بابتسامته الجذابة وحسن هندامه ودمث أخلاقه ، كسب احترام القوم صغيرهم وكبيرهم بجمال حضوره وحسن وعظه وطيب نصحه ، هو الوالد والعم والأخ والصديق والأب الحنون ذوا لنفس الأبية الطاهرة إمام وخطيب مسجد الجهراء القديم والواعظ والمأذون الشرعي فضيلة الشيخ العـم / عبدالرحمن بن أحمد الكمالي .   

    فلا أقول وداعا بل هنيئا لك يا عماه ، نبكيك فرحا لك لا جزعا عليك فكفاك مكرمة من خالق الورى أنه احتضنك في وقت الاستغفار وقبول التوبة واستجابة الدعاء فطب نفسا وهنيئا لك يا أبتاه، فدموعنا ليست أزكى من دموعك الطاهرة التي سكبتها في طاعة الله وكلام الله تدبرا وتأثرا وامتثالا لأوامر الله واهتداء بسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم .

    تطلب منا السماح ونحن أحوج إليه منك وأنت اسمح منا إليه واقرب،هنيئا لك بعلمك وفضلك وقدرك وتواضعك وعظيم حكمتك التي رقت إليها أعتى القلوب واجلدها ، فكم من سفيه رددته لرشده بفضل الله وكم  من مستنير على يديك بفضل الله .     

     لا أقول تركتنا يا عماه وإنما نقول صبرا واحتسابا ولا حول لنا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ها هي الجهراء فقدت شيخها الحكيم وشمعتها التي ما فتأت وما انطفأت تخطب هنا وتعقد قرانا هناك وتعظ في جموع الناس وتشارك الناس أفراحهم وتخفف من أحزانهم.

     أبتاه ... الجميع يفتقدكم ويدعوا لكم بالمغفرة والسعادة الأبدية عند خالق الخلق ولكن نقول لك يا أبي العزيز درر تسير على خطاك في الكويت والإمارات وسلطنة عمان وفي كل أرض وطئتها قدماك الكريمتان فبك بعد الدين نفتخر ونجل وبعلمك ووعظك نستدل وبمسلكك في الحياة نستظل ونقلد لعلنا نصل إلى ما وصلتم إليه رحمكم الله بفضله وجود كرمه .

الداعي لكم بالرحمة والمعالي المحب لك دوما / عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الكمالي 2004/1/23

عوده للفهرس

       في رثاء الشيخ احمد عبدالرحمن الكمالي   ( الشيخ أحمد غنام الرشيد )

المتوفى في فجر يوم الجمعة غرة ذي الحجة 1424هـ

فَحُقَّ لفَـقْد الشيـخ تـبـكي البـواكـيا                  ويـجـري على الخديـن مـاء المآقــيا

ونار الأسـى في القـلـب زاد لهـيبـها                 فيجْـمُلُ في ذا الشيـخِ نَـظْـمُ المـراثِـيا

مـضـى راحــلاً عـنا بأعـطـر ســيرةٍ                 وفـيـنا شـذاها بـعــده ظــلَّ ســاريا

مـضـى طاهرَ الأَردان لـم يأت مَأْثَـماً                  فـحـاشاه أن تـلـقاه للإثـم سـاعـــيا

عهِــدناه بَــرّاً للأقـــارب كُـلِّـــهــمْ                 فـيـسعى بِلَــمِّ شمـلِ من كان نائــيا

عـهِــدناه نِعمَ الخِـلُّ في كلِّ حــالـةٍ                  حريصٌ بـأن يـسمو بـشـدِّ التـآخِــيا

فـمِثْـلُـهُ لا يُنسـى وفي القلب لَـوْعَــةٌ                 عـلى فَــقْـدِهِ قــد رَوَّعَـتْـنا المـآسِــيا

أيا عابِــدَ الرحـمـنِ يبكيــكَ مِـنْـبَـرٌ                  وتَبـكيكَ مِن بيـن الطُّروسِ القَــوافِيا

لقد كنتَ تُزْجي النُّصْحَ في كُلِّ مَوْطنٍ                   بِوَعْــظٍ وإرشــادٍ عَنِ النُّـكْـرِ نـاهِــيا

عـليـكَ ســلامُ اللهِ يا خـيـرَ مرشِـــدٍ                  إلى الـحقِّ قد كنتَ الطبيبَ الـمداوِيا

عـليـكَ ســلامُ اللهِ ما هَــلَّ مـاطِـــرٌ                   يَصُبُّ عَلى مَـثْواكَ صَــبَّ الغــواديا

فيا رَبِّ يا ذا الجودِ أَكْــرِمْ مَـقامَــهُ                   وألبِسْـهُ ثـوبَ العـفـو يا ربِّ وافــيا

فقد حَلَّ ضـيفاً في رحـابك ســيِّـدي                   فـعـنا وعـنـه فامْـحُ إثْـــمَ المـســاويا

فلا زلـتَ ذا مَــنٍّ وعـفــوٍ ورحـمــةٍ                  ولا زلـتَ للعـافـين بَــرّاً وحـــانِــيا

وأنـجالُــهُ فـهمـو العـــزاءُ بفــقــدِهِ                 فأكْــرِمْ بهم كُـلٌّ إلى الخــير داعــيا

فهم خَـلَفٌ من خير سَلَفٍ تسَـرْبـلوا                 ثـيابَ التُّــقى قد شَــمَّروا للمـعــاليا

فـأســألُ ربــي أن يُــديــم ودادَهُـمْ                  لبـعـضِهِـمُ هاتيــكَ أغـلى الأمــانـيا

فإن غـابَ مـنهـم سـيّــدٌ قام سـيّــدٌ                  على إثْــرِهِ في هــدْيِـهِ ظَــلَّ جــاريا

فآلُ الكـمالـي في الدُّنا خيرُ عُـصْـبَـةٍ                  فراياتُـهُــم في العِلْــمِ تَخْـفُـقُ عالــيا

فَقـدْنا أخــاهُ قـبلَهُ مَعْــدِنُ الوَفـــــا                  مُحـمَّــدُ من كان للـصحـبِ وافــــيا

فـعـنـه سَــلُـــوني قد بَلــوْتُ وِدادهُ                  كما الذهـبُ الإبريزُ في الوُدِّ صافـــيا

تَعـاهَـدَني في الوصْــلِ لو كان نائــيا                 عــن الـدار تــلقـاه سَـؤولاً وراعـــيا

وأســألُ ربـي أن يُـقـيــل عِـثــــارَهُ                  وَيُـكْـرِمَـهُ ربـي بـمَـحْــوِ المـســـاويا

ويُمْطِرُ صَيْبَ العَفْـوِ كالوَبْــلِ دائــماً                  على قبرِهِ، والكُلُّ يا صــاحِ فـانِــــيا

وأنصَــحُ نـفـسي أولاً زاجِــراً لـــها                  بأن لا أكُـنْ يـوماً عـن المـوت لاهِــيا

وخَـتْـمُ الرِّثا يا صحْبِ صلّوا وسلِّـموا                 على خـير مـبعوثٍ إلى  الحـق هـاديا

مـحـمـدٌ المُـخـتــارُ مـن آلِ هــاشــمٍ                  على الآل والصحبِ بُـدورُ الدَّياجِــيا

 

عوده للفهرس

تسمية مسجد الجهراء باسم الشيخ عبدالرحمن  ( د.محمد البصيري )

 

من جهة أخرى، قال البصيري في اقتراح برلماني: «تقديرا ووفاء للشيخ المرحوم عبدالرحمن الكمالي الذي أم المصلين في مسجد الجهراء القديمة منذ عام 1955 حتى تاريخ وفاته يناير 2004 وكان مثالا للداعية والعالم المتواضع والمتفاني في خدمة هذا الدين والدعوى إليه للحسنى ونظرا لرغبة كثير من أهالي الجهراء وتقديرا ووفاء لهذا الشيخ الجليل بتخليد ذكراه العطرة عندما يحمل مسجده اسمه الذي أم المصلين فيه زهاء 53 عاما وأكثر من نصف عمره، اقترح تغيير مسمى مسجد منطقة الجهراء القديمة إلى مسجد الشيخ عبدالرحمن الكمالي».

اعتبارا من 18/4/2004 مسجد الجهراء القديم أصبح باسم

مسجد الشيخ عبد الرحمن أحمد الكمالي - رحمه الله -

 

عوده للفهرس

العالم الجليل الذي ودعناه  (أحمد الزاهد )

     الموت .. هادم اللذات ومفرق الجماعات .. وميتم الأولاد والبنات .. ننساه دائما.. لا نتذكره إلا بفقد عزيز أو قريب أو جار أو زميل .. أو عندما نقرأ نعيا عبر صفحات المجلات والصحف أو نسمعه عبر أثير الإذاعات أو عبر أخبار القنوات التلفزيونية .. أو عند سماع واعظ أو خطيب يذكرنا به في خطبة الجمعة أو من خلال الدروس والمحاضرات المختلفة .

     قبل أيام قلائل .. وبعد صلاة الفجر مباشرة.. وعبر الهاتف النقال وصلتني رسالة قصيرة الحروف والكلمات .. لكن وقعها كان كبيرا علي وعلى والدتي وأسرتي .. كان محتواها التالي : " فجر اليوم توفي فضيلة الشيخ عبدالرحمن الكمالي يرحمه الله والدفن بعد صلاة الجمعة " .

     ولأول مرة منذ خبر وفاة والدي قبل أكثر من خمسة عشر عاما بكيت لفراق الشيخ ، وملأت الدموع عيني.. ولكني تذكرت أن الموت حق ، واستحضرت قوله تعالى في الآية " كل نفس ذائقة الموت " فإنا لله وإنا إليه راجعون .

     انه العالم الرباني والداعية الخلوق المبتسم الذي قضى أكثر من خمسين عاما من عمره يدعو إلى الله بالحكمة واللين والموعظة الحسنة.. رجل أذكره ومنذ طفولتي فتح منزله ومجلسه لاستقبال الناس على مختلف مستوياتهم وطبائعهم وثقافاتهم " أهل البداوة والحضر " يعقد الأنكحة " كان مؤذونا شرعيا " ويمر على مساجد منطقة الجهراء الذي كان أول إمام وخطيب بها يوم كان فيها مسجدان فقط ، واليوم فيها أكثر من مئتي مسجد يمر عليها للوعظ والإرشاد والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة .. لا تفارقه الابتسامة.. كريم الخصال والسجايا.. يرحب بالضيف أيما ترحيب .. لا يتركه إلا بعد القيام بحقوق الضيافة الأصيلة.. يذكر لأهل الفضل فضلهم..ويكثر من الاستغفار والتهليل والتكبير والذكر ، كان والدي يحبه كثيرا ويحرص على رفقته ومجالسته ، وكان يلزمنا أنا وشقيقي محمد بالصلاة في مسجده ومرافقة أبنائه وحضور مجالسه ومواعظه .. يدعونا دائما للاستفادة من علمه وأخلاقه وتربيته لأبنائه حيث رباهم على الخير والتقوى والتواضع وحب الناس.

     كان يحرص على عمل الخير بالسر دون سمعة ولا رياء يساعد الفقراء والمحتاجين ويتلمس حاجاتهم ليقضيها لهم ويسعى في الإصلاح بين الناس وحل المشاكل الزوجية وكثيرا ما طلب منه أن يرقي المرضى لصلاح حاله وبركة دعائه فيفعل.. كان بجانب علمه وتقواه وورعه نموذجا رائعا لرجل العلاقات الإنسانية يحرص على تهنئة الناس عند أفراحهم وتعزيتهم عند أحزانهم إما بالحضور الشخصي أو الاتصال الهاتفي أو إرسال البرقيات أو الرسائل البريدية.

     كان رحمه الله يحرص بعد صلاة الفجر على زيارة الناس وتناول القهوة معهم وتجاذب أطراف الحديث وإفتائهم في أمور دينهم .. بجانب قدر كبير من الطرافة والنكت اللطيفة التي لا تتعدى حدودا معينة .. ولم يعرف عنه طوال عمره انه اغتاب أحدا أو تكلم عن احد بدون وجه حق ولم يشاهد في يوم من الأيام عابس الوجه حتى في أيام مرضه الأخير مع شدة المرض وصعوبته.. صفات الخير وحسن الخلق هذه لازمت الشيخ طوال حياته ، وعرف عنه احترام المتحدث صغيرا أو كبيرا وإذا تحدث التزم بآداب الحديث.. تتلمذ رحمه الله على يد العالم الرباني الجليل المغفور له بإذن الله الشيخ عبدالرحمن بن احمد بن يحيى الكمالي صاحب " منظومة التوحيد " الذي عرف بعلمه وصلاحه وتقواه في دولة الإمارات وسلطنة عمان والبحرين وقطر والكويت والجزر المطلة على الخليج العربي وخاصة جزيرة " الجسم " وقد عرف فضيلة الشيخ عبدالرحمن يرحمه الله انه صاحب الفكرة ومصمم شجرة النسب المحمدي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وقد وزع هذه الشجرة على الآلاف من زوار منزله وطلبته وزملائه وعلقها الكثير منهم في المجالس والمنازل والمكاتب وفيه وصف كامل لنسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء والمرسلين وصولا لآدم عليه السلام. 

     وقد ترك فضيلة الشيخ عبدالرحمن الكمالي رحمه الله مجموعة من المؤلفات التي أضافت للمكتبة الإسلامية الفوائد الكثيرة وانتفع بها طلاب العلم من الدعاة وأئمة المساجد والوعاظ والخطباء.. بل انتفع بها كل من قرأها.. ومن هذه المؤلفات التي انتفع بها الناس لعشرات السنين " ديوان الخطب المنبرية في الوعظ وإرشاد البرية " و " كتاب الجواهر المرصعة في الخطب المنوعة " و " كتاب المواعظ السنية لأيام شهر رمضان البهية " وقد طبع طبعة حديثة ومنقحة قبل وفاته بنحو ثلاثة أشهر وسر به سرورا كبيرا.. وله أيضا " ديوان بغية الخطباء والواعظين ومنار الهدى للمتعظين " وطبع منذ سنتين لأول مرة.

     توفي رحمه الله فجر يوم الجمعة غرة ذي الحجة لعام 1424 هـ بعد مرض لازمه لأربع سنين ومن علامات الخير والتقوى التي ظهرت قبل وفاته وعند دفنه أنه كان يسأل مرافقيه في غرفته في المستشفى قبل وفاته بأيام : متى الجمعة؟ ويكرر السؤال عليهم عدة مرات.. متى الجمعة؟ وكأنه ينتظر حدثا مهما وصبيحة يوم الجمعة وبعد ليلة إيمانية قضاها بالذكر والتحميد والتهليل والتسبيح والصلاة وهو مستلق على سرير المرض فاضت روحه إلى بارئها.. توفي صبيحة الجمعة غرة ذي الحجة وحضر مراسم تشييعه ودفنه الآلاف من طلابه ومحبيه وزملائه من أهالي الجهراء وأهالي المناطق الأخرى بالكويت وحرص على حضور الدفن وتقديم العزاء عدد كبير من أقاربه ومحبيه وطلاب العلم من دولة الإمارات وسلطنة عمان وقطر والبحرين وقال في رثائه الدكتور جاسم الفهيد وهو من أهالي الجهراء الذين عرفوا الشيخ عن قرب :

     أخلاقه تسع الجميع سماحة      كنسيم فجـر إذ يهب عليلا

    وله التواضع والدماثة آيـة      كانت إلى رق القلوب سبيلا

أما أم أحمد رفيقة دربه وأم عياله التي تألمت كثيرا لفراق رفيق دربها فهي ابنة الشيخ حبيب الغريب رحمه الله الشاعر والعالم المعروف.

     وخلف الشيخ عبدالرحمن يرحمه الله من الأولاد سبعة أكبرهم أحمد ويليه محمد وهما من موظفي وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف بدولة الإمارات العربية المتحدة ، وعبدالقادر وهو قاض بسلطنة عمان ، وعبدالمنعم وعبدالله ومحمود ويوسف كما خلف من البنات ثلاثا.

     رحمك الله أبا أحمد وأسكنك فسيح جناته لقاء ما قدمته من علم ودعوة وما عرفت من خلق وتسامح وطيبة.

 

عوده للفهرس

       دفن يوم الجمعة غرة ذي الحجة   ( مشعل عثمان السعيد )

     عرفته منذ زمن بعيد ، جاء إلى الجهراء وهي قرية صغيرة لا يتعدى سكانها ألف نسمة ، تحيط بها البساتين من كل جانب ، جاء إلى الجهراء شابا يافعا لا يتعدى عمره العشرين عاما ، جاء إلى الجهراء ليكون إماما لمسجدها القديم والوحيد الذي بناه أهاليها منذ سكنوها ، جاء إلى الجهراء واضعا نصب عينه الأمانة والإخلاص ، أحبه أهالي الجهراء فبادلهم الحب مضاعفا ، وصلها ولسان حاله يردد ما قاله الشاعر الجاهلي عبيد بن الأبرص الأسدي   الله ليس له شـريـك      علام ما اخـفت القلوب

    انه الإمام والخطيب والواعظ الذي دفناه ونفضنا أيدينا من تراب قبره : عبدالرحمن بن احمد الكمالي الزهري القرشي رحمه الله ، كان قرة أعين أهل الخير حيث اختاره الله إلى جواره في يوم هو من خير الأيام هو يوم الجمعة ودفن بعد صلاتها ، وكانت الصلاة على جنازته في مسجده الذي كان إمامه عشرات السنين في شهر مبارك غرة ذي الحجة المباركة في يوم عظيم يتزاحم فيه مئات الآلاف من الحجاج في بيت الله الحرام مرددين " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك " قدم الشيخ عبدالرحمن الكمالي إلى الجهراء سنة 1953 وتزوج بها ورزق الأولاد فيها وترعرع بها وشاب بها وتوفي بها ودفن بها ، و الجهراء بضعة من جسد الكويت ، وقد أبى رحمه الله أن يغادرها أثناء الغزو الصدامي لها بل ظل صامدا يتحمل المرض العضال الذي كان يعاني منه حبا وإخلاصا لهذه الأرض التي عاش بها متضرعا لله تعالى بأن يكشف الله الغمة عن الكويت وأهلها الأخيار ، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الشيخ عبدالرحمن الكمالي هو أول مأذون شرعي في الجهراء ، وقد عقد قران ثلاثة أجيال عاصرها الجد والابن والحفيد ومنهم العديد من أبناء الأسرة الحاكمة في الكويت ، وقد أخبرني بأنه لقن أحد المحكومين بالإعدام الشهادتين وكان أول حكم إعدام تغطيه وسائل الإعلام في الكويت مباشرة سنة 1961 إبان حكم أمير الكويت الحادي عشر : الشيخ عبدالله بن سالم بن مبارك الصباح رحمه الله ، فاكس وجداني:

فلا جزع إن فرق الدهر بيننا      فكل فتى يوما به الدهر فاجع

وما الناس إلا كالديار وأهلها     بها يوم حلوهـا وغدوا بلاقع

     كان أهالي الجهراء يتزاحمون على مسجده ، خاصة في شهر رمضان المبارك في صلاتي التراويح وقيام الليل ، أما خطبة الجمعة فلا تجد مكانا تجلس فيه ، وقد ذكرت انه لقن احد المحكومين عليهم بالإعدام الشهادتين وكان هذا القاتل يدعى " سعيد " لا أسعده الله دنيا ولا آخرة ، وقد تذكرت على الفور حادثة تدل على أن هذا الإنسان من أهل الخير ، ومن العجائب أن بطل هذه الحادثة يدعى " سعيد " ولكنه من نوع آخر ليس له علاقة بالإجرام والقتل ، فقد سافرت والشيخ عبدالرحمن إلى المملكة العربية السعودية ، اثر تعرض والدتي رحمها الله إلى حادث سير وقد أدينا مناسك العمرة ثم عدنا إلى الطائف بالقرب من المستشفى الذي ترقد فيه والدتي ، وكان يزورها معي ويقرأ عليها القرآن ، وعندما قررنا العودة إلى الكويت ذهبنا إلى مطار جدة ، فقدمت تذاكر السفر إلى موظف أسمر اللون طويل القامة يخيل إلي أنه من أهل حضرموت أو حضر الموت كما كانت تسمى في الماضي فأنجز التذاكر إلا تذكرتي فقلت له : يا أخي تذكرتي لم تنجزها ، فقال الموظف : حجزك غير مؤكد فقلت كيف ذلك وقد أكدته في الكويت ، فقال الموظف: قلت لك غير مؤكد ولا تزعجني فأنا مشغول ، أخذت تذكرتي وانتظرت الشيخ عبدالرحمن الذي كان يؤدي صلاة العصر في المطار فسألني : ما بك يا مشعل ، فقلت : مصيبة ابتليت بها أبا أحمد ، موظف الحجز يقول تذكرتك غير مؤكدة ، فقال الشيخ عبدالرحمن : وأين هذا الموظف ؟ أشرت للشيخ عبدالرحمن على الموظف فسار سريعا بعد أن أخذ مني التذكرة وجواز السفر ووقف أمامه وقال الشيخ عبدالرحمن : السلام عليكم ، فقال الموظف : بارتباك وعليكم السلام ، فقال الشيخ عبدالرحمن : ما اسمك يا أخي ؟ فقال الموظف : سعيد أيها الشيخ ، يناول أبو أحمد التذكرة وجواز السفر ويقول له : يا سعيد أسعدك الله في الدنيا والآخرة أكد حجز ولدنا مشعل ، الموظف : حاضر دقائق أيها الشيخ ، وبالفعل عدت مع الشيخ عبدالرحمن الكمالي إلى الكويت ، هذا ما في ذاكرتي عن الشيخ عبدالرحمن ودمتم سالمين.

 

عوده للفهرس

دعــاء

  دعاء زيارة القبور                   

السلام عليكم أهل الديار ، من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المُستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون .

الدعاء للميت

اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نُزُله. ووسع مُدخلهُ . واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله داراً خيراً من داره ، وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ( ومن عذاب النار )  اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك ، وحبل جوارك فقه من فتنة القبر وعذاب النار ، أنت الغفور الرحيم  اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك احتاج إلى رحمتك ، وأنت غني عن عذابه ، إن كان مُحسناً فزده في حسناته ، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه  اللهم أنزل على قبر فلان الضياء والنور والفسحة والسرور وجازه بالإحسان إحسانا ، وبالسيئات عفوا وغفرانا حتى يكون في بطن اللحد مطمئنا ، وعند قيام الأشهاد آمنا بجودك ورضوانك يا رحمن يا رحيم ، اللهم انقله من ضيق اللحد ومواقع الدود إلى جنات الخلود في سدر مخضود وطلع منضود وظل ممدود.اللهم آنس وحشته وارحم غربته وتجاوز عن سيئاته واقبل منه حسناته . اللهم عبدك وابن عبدك وأنت خلقته وأنت قبضت روحه وهديته للإسلام وأنت أعلم بسره وعلانيته وجئنا نشفع له فاغفر له . اللهم ألبسه بالقرآن الحلل وأسكنه به الظلل وأسبغ عليه من النعم واجعله به عند الجزاء من الفائزين ، اللهم اجعل القرآن لذنوبه ممحصا ومن النار مخلصا ومن الجنة مقربا . اللهم اغفر لميتنا وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر له ، وافسح له في قبره ، ونور له فيه يا رب العالمين . اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده .   اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأُنثانا ، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان ، اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة ، وماتوا على ذلك ، اللهم ارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين

 

عوده للفهرس

    خطبة الجمعة     ( الشيخ فوزي )

بسم الله الرحمن الرحيم

     والناس ألف منهموا كواحد .... وواحد كألف إن أمر عنى ، ولقد كان فضيلة الأخ الشيخ الجليل : عبدالرحمن أحمد الكمالي واحد من هذا الطراز الرفيع الذي يوزن بالآلاف بل كان قمة في الأخلاق وفي الأدب وفي المروءة وفي الكرم والسخاء وحب الناس ومودتهم وكان نقية السريرة طيب النفس حسن السلوك ، ما رأيت أحدا في هذه الأيام قد تجمعت فيه كل هذه السجايا والمزايا  إلا في أخي وحبيبي و قرة نفسي و تؤم روحي المرحوم الفاضل الشيخ عبدالرحمن ، لقد عرفته عن قرب وعاشرته عن حب وخالطته على صداقة صادقة ومودة أكيدة لا تشوبها شائبة ، وكل يوم كنت أكتشف فيه الجديد والجديد من الكمالات النفسية فهو اسم على مسمى ، ولقد مدحته يوما بقولي : يا عابد الرحمن يا رمز المعالي .... يا درة العقد في آل الكمالي ، لقد لبى نداء ربه في فجر يوم الجمعة غرة ذي الحجة سنة 1424 هـ الموافق 23/1/2004 وهذه خطبة الجمعة التي ألقيتها بمسجده فبل الصلاة عليه وهي نقطة من بحر علمه وكريم سجاياه ، أسأل الله له المغفرة وأن يسكنه فسيح جناته وأن يجمعنا به في مستقر رحمته إن شاءالله وسلام مني على روحه الطاهرة في جنات النعيم ، أخو المرحوم وصديقه الشيخ فوزي عبدالمنصف عبدالقادر .

     الحمد لله الذي يغير ولا يتغير هو قائم دائم لا يزول ولا يحول وكل شيء عنده بمقدار بيده مقاليد الأمور وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إليه المرجع واليه المصير وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله البشير النذير ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : أيها المسلمون الموت نهاية كل حي ومرد كل نفس ونهاية كل إنسان ولن يستطيع كائن من كان أن يفلت منه " قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون " وقال: " أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة " وقال: " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " وقال: " كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور "

    كل من في الوجود يسكن لحـده      والبقــاء البقــاء لله وحده

    أنا إن عشت من حياتي ليلا هادئا     لسـت أضمـن الصبح بعـده

    وإذا مـا أهـل فجـر وريــق      باعث بشريـات ينشر سعـده

    ما اطمأنت له المشاعر يومــا      إن شأن الزمان يخلف وعـده

    مــا فــي الحيـــاة دوام       مــا فـي الحيـاة تبــوت

    نبنـــي البيـوت وغـــدا       تنهـــار تلـك البيـــوت

    تمــوت كــل البرايــــا      سبحــان مـن لا يمـــوت

   " وجاءت سكرة الموت بالحـق ذلك ما كنت منه تحيد ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد ، وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ، لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد " ولو كان في الدنيا خلود لأحد لخلد فيها سيد البشر محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ، ولكن الله خاطبه بهذا الخطاب فقال " انك ميت وإنهم ميتون " وقال له : " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد افإن مت فهم الخالدون " .

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه .... فخاض لطيبهن القعـر والأكم

نفسي تتوق لقبـر أنت ساكنه .... فيه العفاف وفيه الطهر والكرم

هذا هو قانون رب العالمين ولذلك يخبرنا أجمعين بهذه الحقيقة فيقول : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " بالأمس في المسجد الذي أعمل فيه وفي درس العصر كنت ألقي هذه الموعظة ولعلها كانت تسلية أو تسريه من الله لهمومي ، إنها موعظة أو وصية من جبريل أمين السماء إلى محمد أمين الأرض والسماء ، لقد جاءه قبل أن يودع الدنيا وقال له : " يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فانك مجزي به واعلم أن شرف المؤمن في قيام الليل وعزه في غناه عن الناس " هذه وصية لو كتبت أحرفها بالذهب أو بالنور ووضعت أمام الأعين لكانت شيئا عظيما ، وينبغي لكل مسلم أن يضعها نصب عينيه ، عش ما شئت فانك ميت مائة سنة أو أكثر أو أقل انك ميت ، لقد جاء ملك الموت لقبض روحه ، سيدنا موسى عليه السلام و موسى أعطاه الله قوة خارقة والأنبياء قبل أن يودعوا الدنيا يأتيهم ملك الموت ويخبرهم ، فلما جاء موسى وأخبره أن أجله قد حان كان موسى شديد الشكيمة فضربه ضربة على وجهه أطاحت عينه فسالت على خديه كان في صورة بشرية هذا حديث صحيح ، فصعد ملك الموت إلى ربه يشكو موسى ، يا رب لقد أرسلتني إلى رجل لا يحب الموت فرد الله له عينه في مكانها ثم قال اذهب إليه وقل له أن يضع يده على جلد ثور وله بكل شعرة تحت يده سنة من السنوات ، فعاد ملك الموت وأخبر موسى فقال موسى ثم ماذا بعد؟قال إنه الموت قال إذا فمن الآن ، هذه حقيقة لا ينبغي أن تغيب عن الأذهان ، وفي فجر هذا اليوم الطيب المبارك يوم الجمعة الذي هو سيد أيام الأسبوع كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " خير يوم طلعت فيه الشمس هو يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه خرج منها وفيه تقوم الساعة وفيه ساعة إجابة لا يوافقها عبد مؤمن يسأل الله مسألة إلا أجيبت " في فجر هذا اليوم الذي هو بداية العشر الأول من ذي الحجة التي يقسم الله بها في قوله :" والفجر وليال عشر " فاضت روح الإمام الذي طالما علا هذا المنبر وطالما جلجل بصوته الندي معلنا دين الإسلام ، طالما وعظ وطالما خطب وطالما ألقى المواعظ بين الناس ها هو ذا يرقد بيننا وسمع إلى مواعظنا لا حول ولا قوة إلا بالله إنها نهاية المطاف ولكن العالم لا يموت لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له " وكم له من الصدقات التي أعلمها فقد كنت رفيق عمره وصديقه وأخاه الذي لا يفارقه أبدا ، وكم له من مجلدات تنشر في كل مكان يعلن فيها ويرفع فيها اسم الله عز وجل ، ولقد ترك الذرية الصالحة والحمد لله ، إنه عالم فاضل أشهد أنني عاشرته ما يقارب الثلاثين عاما فما سمعته ذكر أحدا بسوء ، ما سمعته اغتاب أحدا مرة واحدة ولقد كان وصولا للرحم ووصولا للأهل ووصولا للعشيرة ، كان بالنسبة للجميع الابن والأخ والأب بالنسبة للأبناء فهو المأذون الشرعي يشاركهم أفراحهم وبالنسبة للكبار الذين لقوا مصيرهم كان هو الذي يصلي عليهم ويشارك أضراحهم ، وفي جميع الأندية والدواوين كم أتعبني من الذهاب الى هنا أو هناك وكنت أقول له : يكفي هذا ، كان يحب الجميع يحب أهل الكويت جميعا حكاما ومحكومين أغنياء وفقراء لا يقصر حبه على أهل الجهراء وحدهم انه يحب الجميع بلا استثناء وكنت حينما أريد أن أعتذر منه عن الذهاب لأي مكان ، كان يقول إنه مجلس علم حين تشاركني فيه ، فأي مجلس نجلس فيه لابد أن يذكر فيه اسم الله ، ثم يذكرني بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : " من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد بان طبت وطاب ممشاك وتبؤت من  الجنة منزلا " ثم يذكرني أيضا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " أن رجلا زار أخا له في قرية مجاورة فأرصد الله على مدرجته ملكا وقف له في الطريق فقال له أين تريد قال : أريد زيارة أخا لي في هذه القرية المجاورة فقال له على لك عليه من نعمة تربها ، قال : لا غير أني أحببته لله قال : فاعلم أني رسول الله إليك أخبرك بأن الله قد احبك فيه كما أحببته فيه " وكان يقول لي : علاقة مع الناس حب لله ولله لا نبغي منهم شيئا ولا يبغون منا شيئا إلا المودة وأنا أشهد له كل هذه الخصال الطيبة ولا أزكيه على الله أحسبه كذلك والله حسيبه ، وأسأل الله ببركة هذا اليوم الطيب المبارك وببركة هذه الأيام العشر أن يتغمده وموتى المسلمين بواسع رحمته ، وأن يدخله فسيح جناته وأن يجعله سلفا صالحا للخلف الصالح إن شاء الله يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن عمر " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " وكان ابن عمر يقول " إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وخذ من حياتك لموتك ومن دنياك لآخرتك " أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.

 

    أحمدالله تبارك وتعالى وأصلي وأسلم على أنبيائه ورسله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله واصلي واسلم على رسول الله وعلى آل  بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحابته أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : أيها المسلمون هذه بشارات طيبة في أيام طيبة هذه الأيام الطيبة التي يقسم الله فيها بقوله : " والفجر وليال عشر " العشر من ذي الحجة التي يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ، قالوا ولا الجهاد في سبيل الله يا رسول الله قال ولا الجهاد إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء " والعلماء يفاضلون بين العشر الأول من ذي الحجة والعشر الأواخر من شهر رمضان بعضهم يقول هذه خير والبعض الآخر يفضل العشر الأواخر من رمضان وهناك من العلماء من يتوسط فيقول إن العشر الأواخر من رمضان أفضل لأن فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وفيها نزل القرآن الكريم على سيد البشر والبعض يقول إن أيام العشر الأول من ذي الحجة أفضل لأن فيها يوم عرفة الذي هو خير يوم على الإطلاق وصيامه يكفر سنتين سنة ماضية وسنة آتية ، هذه أيام قيمة ينبغي الإكثار فيها من الأعمال الصالحة من صدقات وبر وصلة رحم ، وإصلاح بين الناس وكثرة التحميد والذكر والثناء على الله عز وجل ، ولا ننسى أن من سيضحي  ينبغي عليه أن يلتزم بالسنة فلا يأخذ شيئا من شعره ولا من أظافره حتى يتشبه بالحاج ، أسأل الله عز وجل أن يغفر لنا ذنوبنا اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في امرنا ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، اللهم ارزقنا الهدى والتقى والعفاف والرضى ، اللهم زدنا ولا تنقصنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا ، اللهم آت أنفسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا ، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين ، اللهم وفق ولاة أمورنا إلى العمل بكتابك سنة نبيك انك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، اذكروا الله العظيم يذكركم واستغفروه يغفر لكم وأفسحوا لإخوانكم يفسح الله لكم وأقم الصلاة.    

عوده للفهرس

  في رثاء الشيخ عبدالرحمن أحمد الكمالي...... محمد احمد الكمالي

 

بحرٌ من الأحْـزانِ أَغْـرَقَ مُقلتـي   عَصَفَتْ بِيَ الآلامُ من طولِ الشَّجـن

غابتْ عن الجهراءِ شمسُ ضيائهـا   بل عمتْ الظلماتُ في كـلِّ الوطـن

إن الحبيبَ عن العيون قـد اختفـى   ومصابُ فقده صـار نـاراً تحتقـن

عذرًا أبي فالحـزن أثقـل  كاهلـي   فبكم فـؤادي قـد تعلـق وارتهـن

كنت الحريص على الفروضِ جميعها   بل قائمًـا قـولا وفعـلا  بالسنـن

من منبر الجهراء صوتـك صـادح   لتُنير قلبًـا أسـودًا بالسـوءِ جـن

فببغـيـة ومـواعـظ وجـواهـر   صرتَ الدواءَ لكل مـن بالجـرح  أن

لم ننس فعلـكَ إذ غـدوت  معلمـا   تحنو وترشـد دون كـلٍّ أو وَسَـن

لم ننس نُصحك يـا أميـر  قلوبنـا   نصحا به تُمْحى الشوائـب والـدرن

   فـهو المـربي للجميـع ولـم نرى   فـيه التكبـر قـد أطـل أو اقتـرن

حُزْتَ المكارم بل غـدوت جِماعهـا   وُهِبتْ لنا حتى غدوت إلـى الكفـن

هذا أبـي وإن ارتقـى مـن دارنـا   أطيافه تبقـى لنـا طـول  الزمـن

رحـم الإلـه فقيـدنـا وحبيبـنـا   من حارب الخِصَلَ الذميمةَ  والفتـن

إنـي ألـوذ إلـى الإلـه تضرعًـا   أن يجعل الفردوس بيتـك والسكـن

بجـوار خيـر الأنبيـاء  محـمـد   يارب فاقبل واستجب يـا ذا المنـن

عوده للفهرس

الشيخ الغالي.. عبدالرحمن الكمالي

من الجوانب المضيئة في حياتي علاقتي بالعم الأديب والشيخ الفاضل عبدالرحمن بن احمد الكمالي -رحمه الله-، وهي علاقة اكتسبتها من خلال علاقة والدي -رحمه الله- به وباخوانه الكرام وبافراد عائلة الكمالي الكريمة في الكويت والإمارات وسلطنة عمان، ومازالت ولله الحمد هذه العلاقة قائمة بين الأبناء من الأسرتين رغم وفاة مؤسسيها -رحمة الله عليهم - ومازالت الزيارات متبادلة بيننا بين وقت وآخر، ومن باب التواصل والمحبة مع هذه العائلة الكريمة، أود أن اسطر في مقال اليوم بعض الكلمات المتواضعة عن سيرة حياة الشيخ عبدالرحمن الكمالي -رحمه الله -.

ولد الشيخ عبدالرحمن بن احمد بن محمد بن عبدالرحمن بن يحيى الكمالي في عام 1931 م في ولاية (خصب) في محافظة (مسندم) في سلطنة عمان الشقيقة، وعاش في بيت شرف وعلم وأدب، حيث كان والده شيخا وإماما لمسجد الشيخ راشد في شرقي (خصب) فتعلم على يده مبادئ الشريعة والفقه وعلوم اللغة العربية، وبعد وفاة والده أكمل دراسته على يد قاضي (خصب) العالم الشيخ احمد بن ابراهيم الكمالي وبعد ذلك اتجه الى المدرسة الكمالية لاكمال مشواره العلمي بالاضافة الي طلبه للعلم على يد ثلة كريمة من علماء سلطنة عمان والإحساء ومكة المكرمة، وعندما أتم عمره 22 سنه قدم إلى الكويت وتوظف إماما وخطيبا بجامع الجهراء القديم وظل فيه إلى أن توفي في يناير 2004 م، تاركا وراءه قلوبا حزينة على فراقه.. وذرية صالحة حملت لواء العلم من بعده.. ومكتبة علمية وثقافية قيّمة يستفيد منها طلبة العلم.

بين يدي الآن كتابا قيّما طبع حديثا بعنوان (بغية الواعظين ومنار المتعظين).. وهو من تأليف الشيخ الكريم عبدالرحمن الكمالي -رحمه الله -، وهو عبارة عن دروس وعظية في العبادات وضعها -رحمه الله- حينما رأى حاجة الناس إلى مثلها، ولتكون نبراسا بين أيديهم وينتفعون بها، وقد قام بإعداده والاعتناء به احد فضلاء عائلة الكمالي الكريمة وهو الأخ العزيز الدكتور عبدالرؤوف بن محمد الكمالي، والذي جمع أيضا من خلاله بعض الكلمات الجميلة التي قيلت في الشيخ الفاضل كتبها بعض أصحابه وأحبابه.

وأثناء تصفحي لهذا الكتاب القيم وقع نظري على صفحة رقم 351 وفيها صورة العم الشيخ عبدالرحمن الكمالي -رحمه الله- في أواخر حياته، فجلست أتأملها لعدة دقائق استذكرت خلالها سنوات طويلة حملت بين شهورها وأسابيعها وأيامها أحداثاً ومواقف جميلة لا تنسى جمعت بينه وبين والدي -رحمه الله -، ولم أطو تلك الصفحة التي تحتوي على صورة ذلك الوجه الطيب والسمح.. ذلك الوجه الذي يحمل للناظر إليه العديد من الذكريات والسنوات الجميلة والمناقشات العلمية التي نفتقدها هذه الأيام، لم اطو تلك الصفحة إلا والدموع تملأ عيني.. مرددا لعدة مرات جملة واحدة فقط هي: «الله يرحمكم ويجمعكم بالفردوس الأعلى».

ختاما.. لا تكفيني هذه المساحة للحديث عن مآثر وأخلاق وصفات الشيخ الأديب عبدالرحمن الكمالي -رحمه الله- صاحب القلب الكبير والأخلاق الرفيعة، آملا أن يكون هذا الشيخ الفاضل قدوة للدعاة الشباب ونبراسا ينير لهم طريق الدعوة والإرشاد بالحكمة والرفق واللين والموعظة الحسنة.. كما كان شيخنا الكريم في حياته.

اللهم احفظ الكويت وأهلها من كل مكروه.. انك سميع مجيب الدعاء  13/7/2009